تحول ميناء طنجة المتوسط خلال سنوات قليلة إلى واحد من أبرز الأقطاب البحرية العالمية وأكثرها نمواً في مجال إعادة شحن الحاويات، ليصبح لاعباً رئيسياً في خريطة التجارة الدولية، وورقة استراتيجية تعيد رسم موازين القوة في غرب المتوسط. هذا الصعود اللافت لم يعد شأناً مغربياً داخلياً فقط، بل أصبح موضوعاً يثير قلقاً حقيقياً لدى الجارة إسبانيا التي ترى في توسع الميناء المغربي تهديداً مباشراً لمكانة ميناء الجزيرة الخضراء.
ورغم تقاسم المغرب وإسبانيا لمضيق جبل طارق كممر بحري استراتيجي، فإن الفوارق بين الميناءين لم تعد مرتبطة بالعوامل التقنية الظرفية، بل أصبحت بنيوية. فميناء طنجة المتوسط يتمتع بقدرة توسع ضخمة، ومساحات تخزين واسعة، ومرونة تنظيمية كبيرة مكّنته من استقطاب شركات الشحن العالمية، وعلى رأسها العملاقة “ميرسك”، التي تعتبره اليوم مركزاً مثالياً لعملياتها اللوجستية.
على الجانب الآخر، يقف ميناء الجزيرة الخضراء أمام تحديات صارمة؛ أبرزها محدودية المساحة وتشدّد القوانين البيئية والتنظيمية الأوروبية، فضلاً عن ارتفاع تكاليف التشغيل بفعل قوة النقابات وكثافة اليد العاملة. أما التوسع فمقيد بشروط قانونية وبيئية تجعل أي توسعة مستقبلية شبه مستحيلة، ما يقلّص قدرته على مواجهة الدينامية المتصاعدة لطنجة المتوسط.
تقرير إسباني حديث كشف أن شركة “ميرسك” نفسها تعتبر نقص المساحة أكبر عائق أمام تطوير ميناء الجزيرة الخضراء، في حين يواصل طنجة المتوسط تنفيذ مرحلته التوسعية الثالثة بشكل سلس ومنظم. ورغم استمرار الشركة في استغلال الميناء الإسباني كأحد مراكزها البحرية، إلا أنها منحت للميناء المغربي مكانة أكبر داخل شبكتها الجديدة، باعتباره الميناء الوحيد الذي يشغّل أكثر من محطة ضمن مخططها الدولي، ما يؤكد تفوقه التشغيلي والهيكلي.
وخلال تصريحات لافتة قبل أسابيع، أكد رجل الأعمال الإسباني فيسنتي بولودا أن “إسبانيا تخسر المعركة اللوجستية أمام طنجة المتوسط”، مشيراً إلى أن الأمر لا يرتبط بضعف البنية أو الموقع، بل بعدم توفر الحوافز الضريبية والمرونة التنظيمية التي يقدمها المغرب. وأضاف أن المنافسة اليوم ليست بين الأرصفة والبنى التحتية فقط، بل بين النماذج الاقتصادية والإدارية، وأن “طنجة المتوسط يمثل نموذجاً تكاملياً تفتقر إليه العديد من الموانئ الأوروبية”.
بهذا الزخم، يواصل طنجة المتوسط ترسيخ موقعه كأحد أبرز الموانئ في العالم، ومركزاً محورياً في سلاسل التوريد العالمية، وبنية استراتيجية تمنح المغرب وزناً اقتصادياً ولوجستياً غير مسبوق على ضفاف أهم الممرات البحرية الدولية.
طنجة بوست tanjapost – أخبار طنجة : المصدر

